عامّة دعاء الأنبياء والصّالحين هو في موضوع الآخرة لأنّها هي ما يشغل بالهم خوفًا وطمعًا ، قال تعالى : ﴿ إِنَّهُم كانوا يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَيَدعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لَنا خاشِعينَ ﴾ .
ولهذا المعنى هم يكثرون ــ مع سؤال الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار ــ من طلب إصلاح قلوبهم ومغفرة ذنوبهم يقولون : ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) . و ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) .
( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) .
( قالوا رَبَّنَا اغفِر لَنا ذُنوبَنا وَإِسرافَنا في أَمرِنا وَثَبِّت أَقدامَنا وَانصُرنا عَلَى القَومِ الكافِرينَ * فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنيا وَحُسنَ ثَوابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ ) .
ولهذا قال أنس : كان أكثر دعاء النبي ﷺ « اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» .
وعن أنس أيضًا قال: كان رسول الله ﷺ يُكْثِرُ أن يقولَ: « يا مُقَلِّبَ القلوب ثبِّتْ قلبي على دِينِكَ » .
وأصل هذا أنّ الصّالحين هم = الزّاهدون في الدّنيا الرّاغبون في الآخرة، وذلك ممّا يظهرفي دعائهم ؛ حيث يغلّبون فيه سؤال ما عند الله في الآخرة مثل الدّعاء بالفوز بالجنّة والنّجاة من النّار وطلب ما يعينهم على بلوغ ذلك من أمور الدّنيا، وهذا معنى سؤالهم في الدّنيا حسنة أصلا ؛ قال تعالى : ( فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) .
ولذا فهؤلاء لا يدعون بأمور الدّنيا ـ كالزّوجة والأبناء ـ طلبًا لها في ذاتها ، وإنّما ليستعينوا بذلك على طاعة الله ، ولذا يسألون في الزّوجة أن تكون صالحة وفي الأبناء أن يكونوا صالحين، ليكون ذلك عطاء حسنًا ، لا فتنة وهباء .
ولهذا قولهم : ( ربّنا هَبْ لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قُرّة أعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) .
وهذا معنى قول إبراهيم : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) . وقول زكريّا : ( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [ أي يرث النّبوّة ] وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) ، ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) .
ولذا ثبت في الحديث : " الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة " ، وفي الحديث الآخر : " أربعٌ مِن السَّعادةِ: المرأةُ الصَّالحةُ، والمسكَنُ الواسعُ، والجارُ الصَّالحُ، والمركَبُ الهنيءُ، وأربعٌ مِن الشَّقاوةِ: الجارُ السَّوءُ، والمرأةُ السَّوءُ، والمسكَنُ الضَّيِّقُ، والمركَبُ السَّوءُ " ...
وفي التّنزيل : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ، ( لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ...